السبت، 12 يناير 2013

رؤية شرعية في الموقف الحالي على الأرض الأزوادية

 بسم الله وصلى الله على محمد وآله
أما بعد:
فتعليقاً على ما ورد من تدخل القوات الفرنسية في النزاع بين الأزواديين والجيش المالي وقصف القوات الفرنسية لبعض المدن والقرى والمساجد ومقتل من قتل من الأطفال ومن ليسوا من أهل القتال من المسلمين هنالك، وبعد ما طلب مني بعض الإخوة المشرفين على المواقع إخبارية المهتمة بمنطقتنا، وبعض الإخوة ذوي القرابة عبر رسائل الجوال إبداء رؤيتي الشرعية حول ما يجري الآن في أرضنا المباركة بإذن الله، فهذه وجهة نظري، فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان وما خالف الحق والدليل فاضربوا به عرض الحائط، والله الموفق:
يعلم الإخوان أننا كنا ضد فتنة القتال في مالي بين المسلمين سواء أكانوا ظلمة أم غير ظلمة ما لم يكن دفعاً للصائل ودفاعاً عن العرض والنفس، فهو على الإباحة، وكذلك كنا ضد الاقتتال مع دولة مالي على الملك أو الدنيا أو على اللون أو الحمية...إلخ أو حتى من أجل الحصول على حقوق أو حريات، وكنا مع أن يقوم من يستطيع من دول المسلمين وحكامها أن يدعو الطائفتين المقتتلتين إلى الصلح فإن بغت إحداهما تم إجبارها حتى تعود إلى الصلح، وحيث لم يحصل ذلك ممن يستطيعه أو أنه لا أحد يستطيعه خوفاً من قوى الغرب، أو غير ذلك، فقد رأينا آنذاك اعتزال تلك الفتن وتجنب الولوغ في دماء المسلمين، أخذا بحديث عمر عن رسول الله أن المؤمن لن يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً، أخرجه البخاري.
واستثنينا من ذلك جواز دفع الطوائف المنتسبة إلى الحركات الشعبية العنصرية من الأفارقة ومن بعض البيض الموالين للدولة المالية ممن قد يعتدون على الأنفس وعلى الأموال على الإباحة فيما يتعلق بدفع الصائل، وكذلك كنا رأينا لمن هو من أهل دولة مالي أن يدفع عن نفسه وعرضه وماله فيما لو تعرضت له الحركات المقاتلة لمالي في نفسه وماله وعرضه سواء بسواء كما يحل ذلك لجميع المسلمين أبيضهم وأسودهم لا فرق بينهم في ذلك. 
أما ما سوى ذلك فكنا نرى الاعتزال، ولم نكن مع عقد البيعة سواء لإياد غالي، ولا مع البيعة والبحوث والدراسات التي قدمت في مشروعيتها لبلال أق الشريف، ومذهبنا في ذلك مذهب من يرى اعتزال الفتنة ولا يرى عقد البيعة لغير المتمكن في الأرض والقادر على تولية الناس فيها وعزلهم وله السلطان على البلاد والعباد إلا من كان مكرها، لأن ذلك من شأنه كثرة المتولين وكثرة المبايعين كما حصل للمسلمين عام وفاة معاوية بن يزيد، لأنه من أبرز أسباب الاقتتال بالاستقراء الصحيح، ودليلنا على ذلك الاعتزال ما ورد من صريح تحريم الاقتتال بين المسلمين في عشرات الأحاديث، ومن صريح النهي عن قتال حاكم لم يصدر منه كفر بواح، أبيض كان أو أسود، ولاسيما أن التحريم يتأكد على من قد لا يقاتل لإقامة دين الله، أو على من قد يرى كفر بعض المسلمين ويبيح دماء بعضهم بشبهة التكفير والتخوين في أدنى شيء، فهذان النوعان ليسا أهلا لتولي الحكم فضلا عن أن يجوز لهما القتال من أجل تحصيله، وهذا أوضح تحريماً في هاتين الصفتين إن تحققتا. 
ومن المعلوم لدى كل أهل العلم بالآثار أن اعتزال الفتن وترك القتال على الملك والدنيا هو صريح عمل جمهور الصحابة، فلم يعرف من شهد صفين من أهل بدر إلا واحد أو اثنان أو ثلاثة كما قال شعبة، وكما أخرج ابن بطة أن جماعة من أهل بدر لم يخرجوا من بيوتهم منذ مقتل عثمان رضي الله عنهم إلا إلى قبورهم. كما روى الخلال بسنده الصحيح: "قرئ على عبدالله بن أحمد قال: حدثني أبي، قال: ثنا إسماعيل، قال: ثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله عشرة آلاف فما حضر فيها مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" انتهى. قال ابن تيمية في منهاج السنة: "وهذا الإسناد من أصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقة ومراسيله من أصح المراسيل". انتهى. وذلك هو مذهب سعد بن أبي وقاص وأبي سعيد وأبي بكرة وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وأبي برزة الأسلمي وأنس بن مالك وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص وغيرهم كثير كثير من الصحابة، كما أنه مذهب ابن عباس رضي الله عنه في الفتنة التي حصلت بين ابن الزبير وبني مروان، وحصلت بين عبدالله بن عباس وابن الزبير بسبب رفض ابن عباس أن يبايعه جفوة شديدة، كما خُرج في صحيح البخاري وغيره، مما يدل على أنه لا يصح الإقبال على بيعة من ليس له السلطان والمنعة ويطيعه الناس وتنقاد إليه مقاليد الأمور ويستطيع أن يولي من يشاء ويعزل من يشاء، حتى ولو رأى البعض أن أولئك أهل لتولي الحكم، أو أن في بعضهم خيراً من بعض الوجوه، فقد كان ابن عباس يرى أهلية عبدالله بن الزبير للحكم وأفضليته ومع ذلك لم يبايعه ورفض بيعته، وجاء في البداية والنهاية بسند ضعيف أن ابن الزبير هم بإحراق بيت عبدالله ابن عباس فاستغاث فنصره أهل البصرة، ثم خرج واعتزل في الطائف حتى مات رضوان الله عليه.
وحيث إننا كنا على هذا القول ديانة لله رب العالمين فقد كان بعض الإخوة آنذاك يصفوننا بأننا نثبط الناس ونهبط هممهم، ولا نزال على هذا الرأي فيما يتعلق بالاقتتال بين المسلمين على الملك في أي دولة وأي صقع من الأرض، وهو أمر كان واقعاً متحققاً بين المسلمين في أرضنا المباركة، لكن ذلك الواقع تغير الآن ولا بد من أن يتغير الحكم بتغير الحال، فلما رأينا تغير الحكم إذا هم ينقلبون بالضد.
فالعجيب أنه لما جاء العدو الفرنسي الكافر الصليبي الآن ليضرب ضرب عشواء ويهدم المساجد ويقصف العباد والبلاد إذا هم الذين يثبطون الناس ويدعون إلى الاعتزال، ويلقون باللائمة على بعض الحركات المقاتلة! بيد أنهم لم يكونوا يرون الاعتزال وقت كان القتال بين المسلمين، بل إن بعضهم قد يرى أن هذا هو الحل!
أما بعد هذا التدخل والقصف السافر من القوات الفرنسية فإننا نقول لمن يرى أن هذا التدخل هو الحل: كان أولى بك أن ترى أن التدخل هو الحل للإصلاح بين المسلمين، من قبل الدول والحكومات المسلمة وإجبار من يرفض الصلح على العودة إلى طاولة الصلح عملاً بكتاب الله؟ فكيف لم ترَ ذلك في ذاك الوقت ثم صرت عليه الآن مع مخالفته لشرع الله وحصول الاستكانة والركون فيه إلى الصليبيين؟
لقد كان من المفترض من الدول الإسلامية أن تتدخل للإصلاح بين الطائفتين عملاً بقوله تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين* إنما المؤمنون إخوة فأصحلوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".
فكان السعي للإصلاح بين الفئتين المقتتلتين أوجب واجب على مجموع المسلمين تجاه الفرقتين، لكن لما لم يحصل ذلك كما ذكرنا أو ربما لم ير القادرون على ذلك أنهم ذوي قدرة عليه أو لم يقوموا بواجبهم فيه سهواً أو غفلة أو تهاوناً، فقد كان الاعتزال هو الخيار الأمثل، لكن وقد تدخل الصليبيون الفرنسيون الآن وقصفوا الأرض وقتلوا من المسلمين من قتلوا (مهما كان مذهبهم وتوجههم رجالاً أو نساءً أو أطفالاً أو شيوخاً مقاتلين أو غير مقاتلين فإنهم مسلمون دخل عليهم الكفار بلدهم وقتلوهم) فإن الواجب هو الآتي:
يجب على علماء منطقة أزواد وجوب كفاية ووجوباً معينا على من لا يتم ذلك إلا بهم أن يجتمعوا الآن بغض النظر عن موقفهم سواء من الحركة الوطنية أو الجماعات الجهادية ويقوموا بدراسة الواقع وحجم القدرة العسكرية والشعبية على مواجهة القصف والإنزال العسكري الفرنسي، ثم بعد تقدير هذه القدرات واستقرائها أن يصدروا فتوى تتعلق بالجهاد في المنطقة حتى يرحل آخر فرنسي مقاتل من البلاد، وإظهار هذا الموقف وإبداؤه أمانة في أعناقهم أمام الله تعالى، وأهل الثغر أدرى بثغرهم وبأحكامهم.
أما من حيث العموم فهذا الموقف يظهر لكل ذي عقل منه دون شك أنه دخول كافر معتد على بلاد المسلمين، وهو معتد صائل، والحكم فيه بالتفصيل للأفراد كما ذكرت راجع إلى علماء المسلمين بعد تقدير الأمور.
وأما من وقع عليه الإنزال العسكري والقصف من إخواننا المسلمين وأرادوه على أن يستسلم للقتل في نفسه أو الهتك في عرضه، وكان لديه أدنى شيء يدفع به عن نفسه. فإننا ننبههم وننبه كثيراً من الناس المجاورين لهم أن هذه الحروب ترافقها حروب نفسية وإعلامية وكذب وزور، كما جرى ويجري في الأماكن المشابهة من العالم على يد أمريكا والناتو في الصومال والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان وباكستان وغيرها من بلاد الله، وكما تفعل روسيا في الشيشان، فكذلك، هكذا تتعامل فرنسا بقصفها العشوائي أيضا، وما كاد اليوم الأول ينتهي حتى هدم الضرب العسكري مساجد وقتل القصف أطفالا وغيبت المعتقلات رجالا، ومن يظن أنها عمليات محدودة فهو نسي أو تجاهل ما تفعله هذه التحالفات بالأبرياء، ومن كان لا يفهم فلينظر ما تفعله أمريكا في اليمن الآن، وسيكون القصف وسيلة لترجيح كفة القوات وقتل أكبر عدد من الأطفال والمدنيين وأهل الدين، وأي موقع تقصفه فرنسا فسيقال إنه إرهابي أو على الأقل سيتم الاعتذار بأنه اشتباه أو خطأ.
فمن كان تحت هذا الضغط الذي يأتيه من كل جانب من إخواننا المواطنين والمقيمين على السواء هنالك واحتار في شأنه فإننا نوجه إليهم هذا الكلام الذي هو العودة إلى الأصل، وهو أقل واجب يجب علينا أن نوجهه إليهم، وهو كلام الله تعالى: 
قال تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير".
وقال تعالى: "ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين".
ونقول بكل ثقة وإيمان:
إن جهاد الكفار الصليبيين في بلادنا في هذه اللحظة (وأخص المقاتلين الفرنسيين وغيرهم من الكفار الذين يريدون الناس على أنفسهم في بلاد المسلمين)، أقول إن جهاد هؤلاء هو أعظم الجهاد، إنه هو أفضل من الجهاد أيام الجهاد الأفغاني وأفضل من القتال في سورية.
وقد سألني أحد الإخوة لماذا قتال الكفار الصليبيين في مالي أفضل الآن من قتالهم أيام الجهاد الأفغاني وفي سورية؟
الجواب: السبب أنه على أيام الجهاد الأفغاني كان العالم كله مع المجاهدين الأفغان، ضد روسيا، وكذلك العالم كله ما عدا روسيا والصين مع السوريين، والآن العالم كله مع فرنسا ضد أهل تلك الأرض المستضعفين، لذلك فالجهاد معهم أفضل، وكذلك هو أفضل من جهة الخلاف في كون من في الجيش السوري كفاراً أم لا جميعاً، ولهذا فإن الفرنسيين لا شك في كفرهم عند مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر.
كما أن قتال الفرنسيين في مالي أفضل من قتال الماليين حتى وإن كان الماليون صائلين، لأن دفع الصائل المسلم على النفس فقط ليس مجمعاً على وجوبه، ودليل ذلك قوله تعالى: "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك"، وقد يكون واجباً ترك القتال عن المال والنفس في الفتنة لحديث "كن عبدالله المقتول" الذي رواه أحمد. 
أما قتال الصائل الكافر الذي يصول على النفس فواجب إجماعاً، ونقل عليه الإجماع كثير من أهل العلم، وهذا هو مقتضى أنه لا يخالف في وجوبه الحنابلة فيما أعلم (وقد يحمل بعضهم وجوب على ما كان عند التقاء الصفين) ولم أعثر فيه على خلاف للمالكية، وكذلك لم يخالف في وجوبه الشافعية الذين لهم تفصيل واشتراطات في الوجوب، فضلا عن الحنفية الذين يرون وجوب دفع الصائل على النفس في كل أحواله. ووجوب دفع الصائل في مثل هذا الموقف سواء فيه الكافر معصوم الدم أو الكافر المحارب، فلو افترضنا أن هذا الكافر غير محارب ولكنه صال على المسلم في نفسه، وجب دفعه عليه حتى يموت دون نفسه، وعليه الإجماع كما ذكرت، ولعله لهذا السبب أفتى الشيخ الألباني رحمه الله بقتال الكفار الأمريكان والقوات الغربية المتحالفة التي كانت تقصف العراق أيام احتلال الكويت رغم أنه كان يعتبر احتلال صدام للكويت ظلما تجب إزالته، فلتتأملوا في هذا.
ومن كان في مكان وباشره القصف الفرنسي الكافر ودخل عليه الفرنسيون وكان مسلحاً وجب عليه القتال عن نفسه فرض عين ووجب على من يليه معونته من إخوته وفي هذه الحال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسمله كما أخرجه البخاري.
ومن أعظم الظلم أن يظلم المرء أخاه المسلم ويسكت عن نصرته وأن يسلمه لأعدائه والعياذ بالله، قال ابن حجر في شرح معنى يسلمه أي لا يحميه من عدوه والعياذ بالله، وهذا من خذلان الدنيا والآخرة، وفعله هذا أسوأ من إلقاء إخوة يوسف لأخيهم في الجبّ.
قال ابن حزم في مراتب الإجماع:
"واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين". انتهى.
وقال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:
"وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم وبين طلبه في بلاده.
والجهاد منه ما هو باليد ومنه ما هو بالقلب والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة، فيجب بغاية ما يمكنه، ويجب على القعدة لعذر أن يخلفوا الغزاة في أهليهم ومالهم، قال المروذي: سئل أبو عبد الله [أي الإمام أحمد] عن الغزو في شدة البرد في مثل الكانونين فيتخوف الرجل إن خرج في ذلك الوقت أن يفرط في الصلاة فترى له أن يغزو أو يقعد؟ قال: لا يقعد الغزو خير له وأفضل". انتهى.
و جاء في كتاب التجريد لاختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية"
"وذكر الشيخ اتفاق العلماء على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد، وذكر أيضاً إجماع العلماء على أن الرباط أفضل من المجاورة بمكة. وذكر أيضاً اتفاق العلماء على أن الصائل يجب دفعه عن الحرمة والدين، فالعدو الصائل الذي يسفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان". انتهى.
وهذا مما كان شرعاً حتى في الأمم السابقة التي لم يفرض عليها قتال الدفع، فإن قتال الدفاع وإخراج الكفار من الأرض كان مشروعاً لهم، وخير الأمم بعد أمة محمد هي أمة موسى وقد كان ذلك مشروعا فيهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستقامة: 
"وسائر الأمم لم يأمروا كل احد بكل معروف ولا نهوا كل احد عن كل منكر، ولا جاهدوا على ذلك، بل منهم من لم يجاهدوا، والذين جاهدوا كبني إسرائيل فغاية جهادهم كان لدفع عدوهم من أرضهم كما يقاتل الصائل الظالم، لا لدعوة المجاهدين إلى الهدى والخير ولا لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، كما قال موسى لقومه "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين* قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون" إلى قوله "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون".
وكما قال تعالى "الم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا". فعللوا القتال بأنهم اخرجوا من ديارهم وأبنائهم ومع هذا كانوا ناكلين عما أمروا به من ذلك ولهذا لم تحل الغنائم لهم ولم يكونوا يطؤون ملك اليمين، ومعلوم أن أعظم الأمم المؤمنين قبلنا هم بنو إسرائيل كما جاء في الحديث المتفق على صحته في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عرضت على البارحة الأنبياء بأممهم فجعل يمر النبي ومعه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه احد ورأيت سواداً كثيراً سد الأفق". انتهى.
وأوصي إخواني المسلمين في هذا الشأن بالجهاد بجميع أحواله بالكلمة والقلم والمال والحيلة والأدوات والمشورة وغير ذلك وبالدعاء والاستغاثة بالله وحده وبكثرة الاستغفار في هذا الأمر، فهو سبيل النصر الوحيد، قال تعالى: "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين".
وقال: "ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين".
وقال: "وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين".
ولا يخفى على من لديه اطلاع على الحديث ما جاء في حديث رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه بالدعاء يوم بدر حتى سقط رداؤه وذكره لله جل وعلا بأسمائه الحسنى كما أخرجه مسلم وأبو يعلى.
علماً بأنه في هذه القضية لا يعصم فيها الكافر الغازي الكافر دمه من المسلمين الذين غزا بلادهم إلا بشيء واحد هو نطقه بالشهادتين، ولو بعد أن يقع في أيدي المؤمنين، وهو قوله تعالى: "ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً"، ولما ورد من حديث أسامة الذي أخرجه البخاري.
فلا تحصل له العصمة بعد غزوه للمسلمين وقصفه لهم ونزوله على أرضهم وبين ظهرانيهم وإرادته إياهم على أنفسهم وأعراضهم إلا ذلك والله المستعان.
ثم إنه قد يرى من تميل نفسه إلى نصرة الدولة المالية أن هؤلاء الذين تضربهم الطائرات الفرنسية بغاة وإنه تجوز الاستعانة بها عليهم للضرورة أخذا بقوله تعالى "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه"، فإنه إن كان ممن يتبع لجبهة التحرير الوطنية فيقال له هذا حجة عليك، لأنك داخل في عموم حكم البغاة الذي أطلقته، فهو يدخل على كل من بغى على حاكم مسلم ولا يستثنى من ذلك مكفر ولا غير مكفر، وإن قلت إن المكفر لا لا يستثنى منه لأنه في حكم الخوارج وحكمهم وجوب قتالهم كالصائلين لا كالبغاة، فإنه كذلك يجيز للجيش المالي قتالك وقد يتم تنزيلك على الصائلين، لأن البغاة في اصطلاح أهل الفقه لا يقال لهم بغاة إلا إذا كانوا على تأويل سائغ. وإن كان القائل بهذا القول من أنصار مالي أو من رجال جيشها فيقال له: 
أولا:
على افتراض صحة القول الذي تأخذ به وهو غير صحيح بل هو مرجوح فإنه يصعب أن يتحقق في دولة مالي أن تكون دولة العدل (أي التي حاكمها حاكم مسلم مسيطر ويحكم بالشرع بحيث يستحق أن يطلب منه العدل) فلا ينطبق عليها هذا الأمر.
ثانيا:
ولو افترضنا أن شرط كونها دولة عدل تحقق، فإنه لم تحصل الضرورة التي يتحقق بها أن دولة مالي أشفت على الهلاك بسبب هؤلاء البغاة بحيث تكون ضرورة الاستعانة بالكفار عليهم حاصلة.
ثالثا:
ثم على افتراض صحة قولك في جواز الاستعانة بأهل الكفر على أهل الإسلام البغاة للضرورة، فإنه على ضعف هذا القول، فمن أجاز ذلك للضرورة لم ير أنه مباح إذا كان ينتج منه قتل الأبرياء أو يغلب على الظن ذلك، بل هو محرم أشد التحريم، وحتى لو كنت معرضاً للهلاك لم يجز لك أن تدفعه عن نفسك بما يقع منه إهلاك مسلم بريء آخر، بل يجب عليك أن تصبر، على افتراض صحة قولك إنك مضطر ومشرف على الهلاك، وهو افتراض غير واقع.
فما دام هذا المحذور من وقوع قتل للمسلمين وهدر لنفوسهم وأعراضهم، وهذا المحذور حاصل متيقنٌ في حال القصف والإنزال الفرنسي على أرضنا الكريمة، فعلى هذا الواقع لا يصح العمل بهذا القول الضعيف من كل وجه.
قال أبو محمد بن حزم في المحلى واصفاً تحريم ذلك:
" قال أبو محمد رحمه الله: "فإن أشفوا على الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة فلا بأس بان يلجؤوا إلى أهل الحرب، وأن يمتنعوا بأهل الذمة، ما أيقنوا أنهم في استنصارهم لا يؤذون مسلماً ولا ذمياً في دم أو مال أو حرمة مما لا يحل، برهان ذلك قول الله تعالى: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه"، وهذا عموم لكل من اضطر إليه إلا ما منع منه نص أو إجماع.
فإن علم المسلم واحدا كان أو جماعة أن من استنصر به من أهل الحرب أو الذمة يؤذون مسلماً أو ذميا فيما لا يحل فحرام عليه أن يستعين بهما وإن هلك، لكن يصبر لأمر الله تعالى وان تلفت نفسه وأهله وماله أو يقاتل حتى يموت شهيدا كريما، فالموت لابد منه ولا يتعدى أحد أجله، برهان هذا أنه لا يحل لأحد أن يدفع ظلماً عن نفسه بظلم يوصله إلى غيره، هذا ما لا خلاف فيه". انتهى.
والسلام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
في غرة ربيع الأول 1434
بقلم الشيخ / عبد الواحد الأنصاري

هناك تعليق واحد:

  1. مصباح بن جبريل24 يناير 2013 في 3:13 م

    ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم .
    نقول لهؤلاء الانجاس الفرنسيين ومن يواليهم من الزنوج الجياع ان ازواد وكامل شامل مالى وحتى شمال النيجر سيكون عصيا عليهم وان طال الأمد فالنصرة لنا للاسلام وستنعم ازواد وكامل شمال مالى بنعمة الاسلام وسترفرف راياتنا عالية خفاقه وان غداً لناظره قريب .

    ردحذف

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ...