محمد المزيني *
الحياة / الأربعاء ١٣ فبراير ٢٠١٣
ليس أنسب من كلمة «عار» للتدليل على واقع طوارق وعرب «أزواد» شمال مالي العزل، الذين يتعرضون لعمليات إبادة منظمة على أيدي الأفارقة الماليين، ومن خلفهم الجيش الفرنسي داعماً ومؤيداً ونصيراً، المقاتلات الفرنسية تقصف مناطق واسعة بحجة وجود مقاتلين من حركة أنصار الدين، وتستهدف محطات البترول، والأماكن التي يؤمن السكان منها حاجاتهم اليومية وتصيب مدنيين عزلاً لا حول لهم ولا طول، وكأنهم يحاربون طواحين الهواء، فيما يقوم الجيش المالي النظامي بتنفيذ إعدامات متوالية، إذ أكدت المنظمات الدولية أن عمليات الإعدام تتم في شمال البلاد «أزواد»، إذ يُقتاد المدنيون في وضح النهار ويُقتلون بدم بارد وتُلقى جثثهم في الآبار.
بالأمس القريب تم إعدام مجموعة من طلبة العلم العرب المقبلين من أماكن لم يعلن عنها لأسباب سياسية، ممن جاؤوا لحفظ القرآن الكريم، ترتكب هذه المجازر، الحكومة المالية تمارس تطهيراً عرقياً للعرب والطوارق ويضعون أيديهم على بيوتهم وممتلكاتهم، وقد أكدت المصادر الإعلامية فرار نحو 60 ألفاً منهم إلى المناطق الحدودية هرباً من الموت، طبعاً كل هذه الأخبار وما يتبعها من تعليقات مشمولة بالمخاوف تأتينا من المنظمات الدولية، في حين بات الإعلام العربي نائياً بنفسه عن كل ما يتعلق بهذا الملف الساخن، وكأنها قضية معزولة تماماً عن عالمنا، فلم نسمع عريضة احتجاج ترفعها حكومة عربية، كما لم تتحرك حمية الإخوانيين والصحويين الفرحين بفوز الإخوان المسلمين بالانتخابات المصرية وتسنمهم سدة الرئاسة «إلا من ندر منهم ويعدون على الأصابع»، هل أنساهم هذا الفتح العظيم هموم وآلام الآخرين، هل أشغلته الخطب العصماء التي تُلقى على مسامع المصريين المتلهفين لهم، وكأنهم لم يسمعوا ديناً حقيقياً كالذي يفوهون به... لقد حصحص الحق وانكشفوا أمام العلن، بعدما ثبت انسياقهم لشهوة السلطة والمال والشهرة.
أما الطوارق والعرب المعروفون بحفظهم لكتاب الله وسنة رسوله، المتمسكون بعرى الدين، المتحدثون بلسان عربي مبين، المكافحون من أجل البقاء أحياء بين أيادي الحكومة الأفريقية المتربصة بهم التي تتخطفهم ليل نهار، وطائرات الفرنسيين المحلقة قريباً من رؤوسهم لتمطرهم بوابل من الصواريخ، فلا يستحقون منهم مجرد نظرة اعتبار، هل ينتظرون دعوة لحملة جهادية على غرار الجهاد الأفغاني المدعوم بقوى غربية كي يتحرك ساكنهم، أم لأن الفرنسيين هم جزء من الكتلة الغربية التي يجب ألا يناصبوا العداء ليفعلوا ما يشاؤون بالعرب والطوارق، تحت صمت مطبق، وعلى أرضية من المؤازرة والتأييد من البعض، بالأمس القريب دشنت فرنسا نصباً تذكارياً لضحايا «الهولوكوست»، صرح الرئيس الفرنسي وقتها قائلاً: «لا بد من أن نقاتل دائماً ضد الظلامية، وضد الكراهية، وضد الإرادة الهدامة، وضد التعصب المستعد دائماً، والذي لديه رغبة دائماً في تدمير حرياتنا»، وقال: إنه لا يزال هناك من «يضعون معاداة السامية وكراهية الغير في بؤرة هواجسهم ويريدون أن يمزقوا التسامح الذي أورثناه عبر التاريخ».
فإذا كانوا صدقاً ما يدعون فلماذا يتدخلون بشؤون الغير ويبيدون في طريقهم عزلاً لا حول لهم ولا طول.
هل يستشعر الفرنسيون اليوم ميولهم الاستعمارية القديمة منشقين عن أبسط القيم المؤسسة لنهضتهم التنويرية المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة؟ لتخرج لنا في مالي بوجه آخر مختلف، وتقوم بما تقوم به من قصف عشوائي يقتل العُزل، ويدمر المراكز العلمية المليئة بالآثار والمخطوطات.
أستغرب من بعض الكُتّاب ومناصرتهم للقوات النظامية المالية ومطالبتهم ببذل المزيد من الإعدامات والتصفيات للعرب والطوارق! هل نضب ماء الحياء من وجوههم وتقلصت الحمية لديهم إن كان هناك حمية، هؤلاء الذين ينسلون أفكارهم من عقد نفسية تعيدهم إلى أصولهم القديمة، يكيلون بمكيالين، فنراهم يصفقون لكل المنشقين عن حكوماتهم في مهرجان الربيع العربي، في حين يشيحون بوجوههم عن المجازر التي توقع بالطوارق والعرب، من بني أرومتنا وديننا، عزلاً في صحراء جرداء، لو كان الظلم يقع على أيدي النظام المالي ويخلى بينهم وبين مواطنيهم لقلنا هذه حرب أهلية، أما أن تأتي قوات دخيلة لتبيد كل عربي أو طارقي يدب على وجه الصحراء على أنه من الجماعات الثائرة، فهذا أمر مرفوض، فالحقائق التي يتجاهلها الكثير المثبتة على أرض الواقع أن الإبادة المنظمة موجهة بتخطيط مسبق للعنصرين الطارقي والعربي، بغض النظر عما يقوم به أنصار الدين في جهات ما من البلاد، على رغم أن الصراع غير متكافئ، لا في العدد ولا في العدة، ثم هل تعجز القوات الفرنسية بتقنياتها عالية الدقة وأسلحتها محاصرة هؤلاء والتعامل معهم بما يليق عوضاً عن توهيمات فجة لتبرير ما تقوم به.
اليوم ثمة حاجة ماسة للحراك السياسي على كل الأصعدة وتثوير هذه القضية لجعلها محور اهتمام العالم، لإنقاذ أرواح بريئة من القتل على أيدي القوات الدخيلة وجراء الجوع الذي يفتك بهم، اليوم الأزمة بحاجة ماسة للتدخل السريع لوضع حد لهذه المأساة، مؤتمر القمة الإسلامي مسؤول عن تبنيه بشكل كامل وجهة النظام العنصري في «باماكو»، المتمثل في بيانها الختامي لقمتها العادية التي عقدت في القاهرة، وللتكفير عن التواطؤ الفاضح مع العدوان وتغطية الإبادة العرقية التي تقوم بها حكومة مالي بدعم مباشر من فرنسا وأعوانها الأفارقة، يجب المسارعة في الدعوة لعقد جلسة طارئة يتدارس فيها واقع الشعب المالي الواقع تحت طائلة القتل العشوائي والتهجير.
يجب على قادة العالم الإسلامي اتخاذ موقف أخلاقي، كما فعلوا مع كل شعوب الربيع العربي، الذين يعانون من ويلات أنظمتهم، عليهم اتخاذ قرارات حكيمة تسهم في إيقاف نزف لن يندمل حتى يأتي على آخر طارقي وعربي يدب على الصحراء، كما يجب أن يوجه الإعلام العربي خصوصاً بالتعاطي مع هذه القضية بالجدية نفسها التي تلقاها القضايا الأخرى.
من السخف جداً أن يخرج داعية معروف على قناة فضائية ويقول ببرود: «مالي جرح جديد و«القاعدة» ليسوا تكفيريين؟»، أهكذا ندافع عن عرق بأكمله يصل إلى ثلاثة ملايين نسمة يُباد ويُهجر ويُنتهك على مسامعنا وأبصارنا؟ وهل يخضع كل شيء حتى الدماء للمصالح الشخصية؟
* كاتب وروائي سعودي.
almoz2012@hotmail.com
@almoziani
محمدالأمين الأنصاري · Tombouctou
ردحذفأحسن الله إليك يا محمد المزيني؛ فعلا؛ السكوت الممنهج عن شعب يباد ويقتل من جيش عنصري مدعوم من كل الجهات من ستين سنة أخرى مخجل جدا.
والأغرب أن الدولة المالية التي تدعي أن هؤلاء مواطنوها يختبئ الطوارق والعرب المدنيون عند الجيش الفرنسي المحتل والغاصب ليفلتوا من براثن الجيش المالي , فهو يكتفي باللون واللسان لإثبات الجريمة التي لا تحال للتحقييق , وإنما القضاء فيه لأول رصاصة بيد أقرب جندي , أو سكاكين جاهزة لذبح الأطفال والنساء بدل مواتير للزراعة والكهرباء وبناء مدارس ابتدائية, ولسوء الحظ , لم ينل أحد في أزواد أي تعليم إلا من خلال المحاضر البدوية أو في المنفى والمهجر من دول الجوار كالجزائر وموريتانيا وليبيا , وفي طليعة تلك الدول التي نال الأزواديون فيها الدراسة العصرية المملكة العربية السعودية جزاهم الله خير الجزاء.
وأشكرك أيها الكاتب الكبير ؛ واسمح لي أن أقتبس جزء من تلك الكلمات الهادفة والنبيلة:
(أما الطوارق والعرب المعروفون بحفظهم لكتاب الله وسنة رسوله، المتمسكون بعرى الدين، المتحدثون بلسان عربي مبين، المكافحون من أجل البقاء أحياء بين أيادي الحكومة الأفريقية المتربصة بهم التي تتخطفهم ليل نهار، وطائرات الفرنسيين المحلقة قريباً من رؤوسهم لتمطرهم بوابل من الصواريخ، فلا يستحقون منهم مجرد نظرة اعتبار،).
Ahmed Nasser Al Ssouqi · Following · Top Commenter · كاتب at حملة للمطالبة بالاعتراف بدولة جمهورية أزواد · 109 subscribers
ردحذفكم أسعدنا حقيقة المقال تفجائنا وذهلنا به لانه نشر في الوقت الذي يتجاهلنا العالم ولا يتحرك ساكن بل هناك اعلام يقف مع الآسف مع ماتنشره المواقع الماليه والاعلام المالي من اكاذيب ومغالطات ماهو الا محاولة تضليل للراي العام العالمي ومحاولة التكتم على مايتم في ارض الواقع من جرائم ضد الإنسانية بابشع الصورة مجازر وابادات عرقية استعاد الماليين الجنوبين القوة وهمو بكل ما اوتيو من قوة للتصفية العرب والطوارق والعرب ونفيهم عن بكرة ابيهم من اراضيهم وسلب ونهب اموالهم وممتلكاتهم في وضح النهار ورغم ان العالم يشاهد تلك الجرائم ونزوح الاف اللاجئين الى دول الجوار التي تعاني الذين نزوحو خوفا من تلك المجازر والعالم يشاهد ولا يتحرك ساكن......كل الشكر والتقدير والعرفان للكاتب والرواائي الكبير المزيني على انصافه العرب والطوارق في ازواد والشكر موصول لجريدة الحياة ايضا.
مختار بن محمد الأنصاري
ردحذفبارك الله فيك وكثر الله من امثالك.. نعم عارهذا الصمت المطبق على قضية كقضيتنا هذه (الازمة الازوادية) قتل وتشريد وتهجير وتجويع وارهاب من قبل الجيش المالي وحلفائه لا يفرق بين طفل وشيخ وامرأة ومسالم,.. بل ومن في صفهم....نعم عار على الصامتين على مستوى الدول الاسلامية والعربية وشعوب ومنظمات وشخصيات اجتماعية وعلمية...والاغرب من هذا كله من يقف في صف القاتل المجرم تأييدا له على ممارساته ماديا ومعنويا,....فأين ضمير الامة الاسلامية تجاه هذه المأساة المؤلمة والإبادات الجماعية ألمفجعة.
أبو مالك الآزوادي ·
الناس كثر وأصحاب الشعور الحقيقي قلة وأنتم من تلكم القلة.
العالم يتعامى عن الحقائق، لأنه حصر الموضوع في زاوية محاربة الإرهاب متعاميا عن أن المشكلة موجودة من قبل المتطرفين وغيرهم بعقود.
عبدالحميد الانصاري
كعادة الاستاذ القدير محمد المزيني مبدع وينفرد بطرحه الاعلامي المتزن ويقف دائماً مع صاحب الحق.
نعم يجب على قادة العالم الإسلامي أو على الاقل العالم العربي اتخاذ موقف أخلاقي معلن.
فهاهم الافارقة رغم قلة الامكانيات هبوا جميعاً مناصرين للحكومة المالية العنصرية الزنجية تحت راية ساداتهم الفرنسين.
والعرب والمسلمين لم نسمع منهم غير اشارات خجولة.
أما الكاتب فأكرر شكري وتقديري له ولا لوم على الاعلام لأنه يتبع سياسيات القادة فمتى ازال القادة اللثام تحرك الاعلام.
السوقي الطارقي
بارك الله فيك أيها الفارس الشهم فقد أقتحمت ما جبن عنه الآخرون ورفعت السوط بما يهمس به المنصفون من أمتنا المغلوبة على أمرها.
أسامة الأنصاري
كل الشكرللاستاذ محمد المزيني لانه تحدث عن قضية مغيبة في الاعلام العربي للاسف الشديد أزود قصة تحتاج الى كل الجهد من الاعلام العربي وخاصة الرجال المخلصين غيرالمداهنين أمثال الكاتب لتوضيح اللبس في القضية ولعودة القضية الى قضية حق شعب في العيش على ارضة فقط لاغير / بينما جعل الاعلام القضية قضية تطرف وارهاب ونسي أن اغنى دوال العالم واكثرها تقدماً عجزت عن محاربة التطرف فكيف بصحراء قاحلة.
عبد الرحمن مصطفى الأنصاري ·
لله درك ، مقال في الصميم ، ولا شك أن الصمت الإسلامي والعربي على وجه الخصوص عن كل الجرائم التي يرتكبها الجيش المالي وجيوش الأفارقة بمساندة فرنسا في حق الطوارق والعرب في أزواد مزر للغاية.
قبل أسابيع أفتى العلماء الأفارقة ـ الأفارقة ـ لفرنسا ولي نعمتهم ـ بجواز تدخلها وتبرير هجماتها شرعيا على العرب والطوارق ، ولم نر من المؤسسات الشرعية العربية من وضع حتى علامات استفهام على الفتوى إلا ما كان من أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم.
أما دور الحكومات العربية فغائب تماما ، وعلى الأقل ـ إن كانوا لا يتصادمون مع الغرب ، وفرنسا تحديدا ـ فليواسوا إخوانهم اللاجئين المنكوبين ، فالمساعدات الإنسانية بابها مفتوح.
أتمنى أن أرى موقفا مشرفا للدول العربية ذات الثقل كالمملكة العربية السعوية والمملكة المغربية ، والجزائر خاصة بحكم قربها من الوضع واكتوائها بلظى الحرب ، وألا تكتفي بدور الحارس الأمين على بوابة أزواد خدمة لفرنسا ومن إليها.
هنا لا يفوتني أن أسدي الشكر الجزيل للموريتانيين حكومة وشعبا على وقفتهم الإنسانية والأخوية مع إخوانهم طوارق وعرب أزواد ، وللكاتب على هذا المقال الأكثر من رائع ، وأهنئه على هذه الشجاعة في النطق بهذه الكلمات ، ورب كلمة خير من قنبلة.
ابو محمد الازوادي · الجبهة الوطنية لتحرير أزواد
لله درك أيها الحر لقد أصبت الحقيقة وكفيت ولامست قلوبنا بشرفك وجعلتنا نطمع كثيرآ في قلمك.
وكل الأزواديين لن ينسوا وقفتك والشكر لله ثم لشخصك الكريم بارك الله فيك وكثر أمثال في أمتنا....
محمد أحمدا الإدريسي السوقي · ثانوية نهر جوليبا *مالي*
على قدر أهل العزم تأتي العزائم = وتأتي على قدر الكرام المكارم
نشكر من الأعماق الكاتب الروائي السعودي الكبير على العنوان أولا لأن المقال من عنوانه, وثانيا على صرخته المدوية والمجلجلة وهذه عادة موروثة لديكم .
ومن هنا فإننا نذكر إخوتنا في الدين أن أجداد الطوارق لم يخذلوا الاسلام والمسلمين عندما هتف بالمرابطين المعتمد بن عباد في الاندلس فلبوا دعوته مسرعين ونقلوا معهم خيلهم وجمالهم عبر الاطلس إلى نجدة إخوتهم في الأندلس فقطعوا دابر الكفر وتوقف المد الصليبي بعدذلك لأربعة قرون.
كما لاننسى وقفتهم مع الليبيين والجزائرين في مقاومتهم للمستعمر الفرنسي والإيطالي .
فعلا من يقرأ مثلك سيقف حائرا أمام هذا الصمت من الشعوب والدول الاسلامية, لمايجري للطوارق في مالي والله المستعان.